كتب محمود مرسي القاهرة
يسر صحيفة وقناة العروبة من القاهرة أن تقدم الفصل الاول من كتاب رئيس التحرير الإعلامي والمؤلف والكاتب السعودي الزميل أ/ سامي العثمان
البرهان ينتصر وحميدتي ينهزم !!
“الفصل الاول من الكتاب وبذلك تسجل صحيفة وقناة العروبة السبق في نشر الكتاب”
(1)
مدخل إلى المشهد السوداني: الدولة بين الجيش وميليشيا الدمار السريع
يُشكل المشهد السوداني اليوم حالة دقيقة ومؤثرة في مسار الدولة الحديثة، حيث تقف المؤسسة العسكرية الوطنية ممثلةً في الجيش السوداني في مواجهة ميليشيا مسلّحة منفلتة هي قوات الدعم السريع، التي توسعت خارج الإطار القانوني للدولة، حتى صار كثير من السودانيين يسمونها “ميليشيات الدمار السريع” لما خلّفته من فوضى وانتهاكات واسعة خلال السنوات الأخيرة.
فالجيش السوداني، بوصفه المؤسسة الرسمية الشرعية والعمود الفقري للدولة، ظل على مدار عقود الضامن الأساسي لوحدة البلاد وحماية مؤسساتها. وقد لعبت القوات المسلحة دورًا تاريخيًا في الحفاظ على الكيان الوطني منذ الاستقلال، وظل تدخلها في الشأن السياسي – رغم ما رافقه من جدل – مرتبطًا بمحاولات الحفاظ على الدولة ومنع انزلاقها إلى الفوضى.
في المقابل، برزت قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) بصفتها قوة موازية نشأت أصلًا من مليشيات محلية مسلّحة، ثم تحولت تدريجيًا إلى قوة منفلتة ذات طموحات سياسية وعسكرية تتجاوز سلطات الدولة الشرعية. ومع توسعها غير المنضبط في بعض مناطق دارفور والشرق، أصبحت هذه الميليشيات تمثل تهديدًا مباشرًا لوحدة القرار الوطني، وتحوّلت إلى مركز بلطجة يحاول فرض نفوذه بقوة السلاح على حساب الحكومة والمؤسسات الرسمية.
هذا التداخل بين الجيش النظامي وهذه الميليشيات المتمردة خلق حالة معقّدة في السودان، حيث بات أمن المواطن وسلامة مؤسسات الدولة مرهونَين بصراع مسلح يتقدّم فيه الجيش بثبات لإعادة فرض سيادة الدولة، بينما تستمر ميليشيات الدمار السريع في تهديد حياة المدنيين من خلال ممارسات موثقة تشمل التهجير القسري والانتهاكات الواسعة ضد السكان.
لقد دفع السودانيون الثمن الأكبر في هذا المشهد، حيث تعرضت مناطق عديدة لعمليات ترويع ونهب ونزوح، كانت ميليشيا الدعم السريع هي الفاعل الرئيسي فيها بحسب تقارير دولية ومحلية، بينما يعمل الجيش على احتواء الفوضى واستعادة السيطرة على مفاصل البلاد لحماية المواطنين.
وقد أثّر هذا الصراع المسلح على الاقتصاد والخدمات الأساسية، إذ تتسبب ميليشيات حميدتي في تعطيل مسارات التجارة، واحتلال منشآت خدمية، وإيقاف مشاريع تنموية، مما يضاعف معاناة السكان ويزيد الضغط على الحكومة الشرعية في تقديم الخدمات الأساسية وسط ظروف شديدة الصعوبة.
وتأثرت صورة السودان الخارجية بشكل واضح بسبب التصرفات المنفلتة لقوات الدعم السريع التي أصبحت تمثل عاملًا رئيسيًا في زعزعة الاستقرار، الأمر الذي يسعى إلى إضعاف حضور الدولة ويفتح الباب لتدخلات إقليمية ودولية تبحث عن التعامل مع مراكز القوة على الأرض بدلًا من احترام سلطة الدولة الشرعية.
أما على المستوى الإقليمي، فإن موقع السودان الجغرافي الحساس جعل المشهد أكثر تعقيدًا، حيث تستغل بعض القوى الإقليمية الانقسام بين الجيش وميليشيات حميدتي لتحقيق مصالحها. وبالتالي أصبح وجود هذه الميليشيات المسلحة عائقًا مباشرًا أمام بناء دولة قوية قادرة على فرض سيادتها داخل حدودها.
ويظهر بصورة واضحة أن الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان يعمل، رغم كل التحديات، على إعادة ترتيب الساحة السياسية والميدانية بما يضمن قوة الدولة، مقابل إصرار قوات الدعم السريع على فرض واقع مسلّح يتحدى سلطة الحكومة ويهدد الأمن القومي.
إن الصراع ليس مجرد منافسة على النفوذ، بل هو معركة على تعريف الدولة نفسها:
هل تكون دولة بمؤسساتها الشرعية… أم دولة تتحكم فيها ميليشيات منفلتة؟
وبينما يسعى الجيش إلى إعادة توحيد البلاد، تتسبب قوات الدعم السريع في توسيع رقعة الدمار، ما يجعل وصفها بـ “الدمار السريع” تعبيرًا معبرًا عن الواقع لدى الشعب السوداني نتيجة ما شهده وعاناه من انتهاكات وتخريب.
إن فهم هذا الواقع ضروري لتحليل المشهد السوداني المعقّد، ولرسم صورة دقيقة لطبيعة الصراع بين الجيش الذي يحمي الدولة بشرعيتها ومؤسساتها وميليشيات مسلّحة تعمل خارج القانون تشكل خطرًا على وحدة السودان ومستقبله.
ويستمر الجيش السوداني في ممارسة دوره التاريخي كحارس للوطن، مؤكدًا قدرة الدولة على حماية مواطنيها وإعادة فرض النظام في كل المناطق المتأثرة بانفلات حميدتي وميليشياته. في هذه المعركة، لم يكتفِ الجيش بالوجود العسكري فقط، بل عمد إلى تنسيق الجهود مع الإدارات المحلية والأجهزة الأمنية لضمان وصول الخدمات الأساسية إلى المواطنين، والحفاظ على الأمن في المناطق المحررة من نفوذ ميليشيات الدمار السريع.
تظهر صورة الجيش بشكل جلي في العمليات الميدانية التي أعادت فرض سيطرة الدولة على النقاط الاستراتيجية، والتي كانت ميليشيا الدعم السريع قد استولت عليها، مستخدمةً أساليب العنف والتخويف للسيطرة على السكان. هذه العمليات أظهرت قدرة الجيش على التخطيط والتنفيذ الدقيق، وعمّقت الثقة الشعبية في قدرته على حماية الدولة وأمن المواطنين، فيما تراجعت قدرة ميليشيا الدمار السريع على فرض إرادتها، وبدأت تظهر علامات الانكسار في صفوفها نتيجة فقدان الدعم الشعبي والسيطرة على الأرض.
وفي الوقت نفسه، يقوم الجيش بتحييد أي محاولات للميليشيات لإعادة تأسيس نفوذها في المناطق المحررة، وذلك من خلال تعزيز الأمن، وملاحقة عناصرها، وتقديم الدعم للسكان المتضررين من أعمال العنف والتخريب. هذه الخطوات جعلت من الواضح أن السيادة الحقيقية للدولة لا يمكن تحديها طويلاً، وأن أي قوة خارج الإطار الشرعي ستنهزم أمام إرادة الجيش ووحدة الدولة.
ولا يقتصر دور الجيش على العمليات العسكرية فحسب، بل يمتد إلى الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، حيث يسعى إلى إعادة البنية التحتية المتضررة، وتشغيل الأسواق والمرافق الحيوية، وضمان استقرار الحياة اليومية للمواطنين. كل ذلك يعكس أن الدولة السودانية مؤسسة قوية وفاعلة، لا يمكن اختراقها بسهولة من قبل ميليشيات الدمار السريع، مهما بلغت محاولاتها في التخريب والتأثير على الرأي العام المحلي والإقليمي.
على المستوى السياسي، تؤكد الخطوات الأخيرة للجيش تحت قيادة البرهان على شرعية الدولة واستقلالية القرار الوطني، مع تعزيز صورة الجيش كضامن لوحدة السودان وسلامة أراضيه. في المقابل، تتراجع مكانة ميليشيا الدعم السريع تدريجيًا، إذ لم تعد تستطيع تحريك المشهد السياسي بما يناسب مصالحها، وأصبح تحركها محصورًا في مناطق محدودة، وهو ما يضعها تحت ضغط متواصل من القوات المسلحة بقيادة البرهان.
ويلاحظ أن المجتمعات المحلية بدأت تتوجه بشكل أكبر نحو الجيش والدولة الرسمية باعتبارهما المصدر الوحيد للأمن والاستقرار، فيما فقدت ميليشيات الدمار السريع أي دعم شعبي حقيقي. هذا التحول في التأييد الشعبي يزيد من القدرة العملية للجيش على إعادة بناء مؤسسات الدولة، واستعادة القانون والنظام، ويضعف أي محاولة مستقبلية للميليشيات لإعادة فرض نفوذها.
كما أن الجيش يعمل بشكل مستمر على قطع خطوط التمويل والإمداد عن ميليشيات الدعم السريع، ما يضعف قدراتها العسكرية واللوجستية، ويزيد من إحباط قياداتها ويؤدي إلى انهيار تدريجي في التنظيم الداخلي للميليشيات. هذه الجهود تؤكد أن الدولة قادرة على فرض سيادتها، وأن أي محاولة من الدمار السريع للبقاء على قيد النفوذ ستبوء بالفشل.
في السياق الإقليمي، يظهر الجيش السوداني كجهة موثوقة للتعامل مع الدول المجاورة والمنظمات الإقليمية والدولية، بينما تُعتبر ميليشيات الدعم السريع فاعلًا مزعزعًا للأمن، ومنبوذة سياسيًا، ما يحد من قدرتها على كسب أي دعم خارجي أو إقليمي، ويجعل هزيمتها مسألة وقت ليس أكثر.
في نهاية المطاف، يتضح أن المعركة بين الجيش وميليشيا الدمار السريع ليست مجرد صراع على السلطة، بل هي حرب على بقاء الدولة ومؤسساتها، وضمان أمن المواطنين واستقرار البلاد. إن الجيش السوداني، بقيادة البرهان، يثبت يومًا بعد يوم أنه الحامي الحقيقي للسيادة الوطنية، وأن أي قوة خارجة على القانون ستنهزم أمام تصميم الدولة وإرادتها.
إن المشهد السوداني الراهن يعكس قوة الدولة، وإصرار الجيش على فرض القانون والنظام، وانكسار ميليشيات الدمار السريع أمام قوة الشرعية والوحدة الوطنية. والمدنيون الذين طالما عانوا من أعمال العنف والتشريد، يجدون الآن بصيص أمل حقيقي في استعادة الأمن والحياة الطبيعية، بفضل الجهود الدائبة والمستميتة للجيش على الأرض، وهو ما يجعل من استعادة الدولة لسيرها الطبيعي أمرًا واقعيًا ومتحققًا، بعكس أي محاولة للميليشيات لإعادة تشكيل المشهد وفق مصالحها الخاصة.





