خطة إيران لنقل عاصمتها من طهران إلى مكران تثير جدلاً كبيراً ، حيث يراها البعض كحل جذري لمشكلة بيئية حقيقية ، بينما يعتبرها آخرون وصفة لفشل اقتصادي وسياسي وأمني يعمّق الضعف الإيراني في وقت يحتاج فيه البلد إلى تعزيز قوته ،
أعلن الرئيس مسعود بزشكيان في نوفمبر 2025 أن النقل أصبح غير قابل للتجنب بسبب الجفاف الشديد والانهيار الأرضي في طهران ، حيث يفقد المدينة مياهها الجوفية بمعدل هائل وتستهلك موارد البلاد بشكل غير مستدام ، ومع ذلك ، يتجاهل هذا الإعلان الواقع المُر حيث مكران نفسها منطقة جافة وغير متطورة ، ومليئة بالمخاطر الأمنية قرب الأسطول الأمريكي في بحر العرب ،
ستكلف الخطة لنقل العاصمة أكثر من 100 مليار دولار في ظل عقوبات دولية تجعل التمويل حلماً بعيد المنال ، يشكك الخبراء في جدواها ، فبدلاً من حل مشكلة الإدارة السيئة والفساد الذي أدى إلى الانهيار البيئي ، يُقدم هذا الإقتراح كحل سحري يُمول بالشراكات مع الصين والهند ، لكنه يُرجئ الانهيار دون منع عودته ،
يُضعف الاقتصاد بإنفاق هائل على بنية تحتية في منطقة نائية تعاني من البطالة ، حيث تصل نسبة البطالة إلى 40% ، بينما طهران تظل مركزاً ثقافياً وتجارياً يفقد قيمته تدريجياً ،
قارن ذلك بنجاح مصر في بناء العاصمة الإدارية الجديدة على بعد 45 كيلومتراً فقط من القاهرة ، مشروعاً أقل تكلفة بكثير بدأ في 2015 وأكمل مراحل أساسية بحلول 2025 ، حيث نقلت 34 وزارة ومجلس النواب إلى مدينة ذكية تستوعب ملايين دون نقل سكاني جذري أو مخاطر أمنية ، مع الحفاظ على سمعة القاهرة كعاصمة ثقافية وتاريخية ، مستفيدة من النيل كمصدر مياه دائم وصحراء شرقية واسعة غير مزدحمة ، مما خفف الضغط السكاني بنسبة كبيرة دون إنهاك الخزانة الوطنية ،
تأتي هذه الخطة في ظل مخاوف استخباراتية بعد أنباء تلبد أجواء العاصمة طهران بعناصر الموساد ، حيث يبدو أن الاستخبارات عجزت عن اقتلاعها ، خاصة بعد المعلومات التي تداولت عقب هجوم إسرائيل الأخير على إيران ومقتل عدد كبير من الجنرالات في أماكن إقامتهم بطرق تدل على وجود أخطاء أمنية وتسريب معلومات دقيقة ،
لو استعرضنا التصريح السابق للرئيس الإيراني الاسبق محمود أحمدي نجاد ، حين روى قصّة عن تشكيل لجنة لمكافحة جاسوسية الموساد داخل إيران ، ثم كُشف أن رئيس لجنة مكافحة التجسس كان تابعاً للموساد ، فإن ذلك يزيد من الشكوك حول جدوى هذه الخطة وأهدافها الحقيقية ، ويبدو أن الخطة هي حل أمني أكثر من كونه اقتصادي ، حيث يبدو أن المخاوف الأمنية والاستخباراتية هي المحرك الرئيسي لهذه الخطة .
تجربة القاهرة في بناء العاصمة الإدارية الجديدة قد تكون نموذجاً يُحتذى به لطهران ، حيث نجحت مصر في نقل 34 وزارة ومجلس النواب إلى مدينة ذكية جديدة دون التأثير على سمعة القاهرة كعاصمة ثقافية وتاريخية ،
لماذا لا تتبنى طهران تجربة مماثلة ، وتُنشئ عاصمة إدارية جديدة قريبة من طهران ، مع الحفاظ على تاريخها وثقافتها؟
ياسين سالم
كاتب سعودي





