
بقلم عبد الواحد الجصاني
أولا: على العكس من النظريات الاستراتيجية والتجارب العالمية التي تقول بإن الدول تلجأ الى الحرب عندما يفشل الحوار، فإن إيران ولاية الفقيه في تعاملها مع جيرانها العرب تلجأ للحوار بعد أن تجرّب الحرب وتخسر فيها. الحوار في عِرف ولاية الفقيه هو (حرب بوسائل اخرى) والمثال الصارخ على ذلك هو تعامل إيران مع العراق فقدبدأت بالحرب، وبعد هزيتمها في حرب الثماني سنوات، لجأت الى الحوار واستخدمته غطاءً للغدر بالعراق وتحالفت مع الشيطان الأكبر لإسقاط نظامه الوطني.
ثانيا: بعد أن فشلت ولاية الفقيه في فرض ارادتها على دول الخليج العربي من خلال الأعمال العدوانية العسكرية ومنها الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة المنطلقة من ايران والعراق واليمن، وتفجير واحتجاز السفن التجارية ، ومن خلال التحريض الطائفي وبقية عمليات التخريب المنظّم، عرضت على دول الخليج العربي مبادرة (هرمز) أو (مبادرة الأمل). ففي كلمته امام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 25 سبتمبر 2019 دعا الرئيس روحاني الى (الارتقاء بالسلام والتقدم والرخاء لجميع شعوب الخليج الفارسي ومضيق هرمز، وتأسيس علاقات ودية، وإطلاق عمل جماعي لـتأمين إمدادات الطاقة وحرية الملاحة وإخراج القوات الاجنبية من الخليج). ولم تلق هذه المبادرة فارغة المضمون صدى يذكر من دول الخليج العربية..
ثالثا: وبعد فوز بايدن في الانتخابات الرئاسية الامريكية ، وشعور ايران ان السياسة الامريكية تجاهها لن تتغير بتغيُّر الرئيس، كثفت دعوتها لدول الخليج العربي أن تنظر في (مبادرة هرمز)، وكتب جواد ظريف مقالا في مجلة (الشؤون الخارجية) الامريكية بعددها يوم 22/1/2021، أغرى فيه ادارة بايدن بفوائد التفاهم مع ايران، وكرر دعوة ايران لدول الخليج العربي أن تقبل مبادرة (هرمز) وسماها (مبادرة الأمل) ، وبشأنها ذكر الآتي: (إن اطار مبادرة الأمل هو البناء على المباديء المعترف بها دوليا وتشمل احترام السيادة ووحدة الاراضي، وتعهد الدول المشاركة باحترام الرموز التاريخية والدينية والوطنية لبعضها البعض، وان تتجنب التدخل في شؤون بعضها الداخلية أو الخارجية. وأن تتعهد بحل النزاعات بينها بالطرق السلمية وان تمتنع عن المشاركة في تحالفات او معاهدات ضد بعضها البعض).
إن قراءة متأنية لعرض ظريف لمبادرة (هرمز) تظهر أنه، كعادة الفرس، وضع الشيء ونقيضه في المبدأ الواحد لكي يأخذ بالشمال ما قد يعيطه باليمين ، فعندما يربط مبدأ احترام السيادة ووحدة الاراضي. باحترام الرموز التاريخية والدينية والوطنية ، فإنه ينسف مبدأ احترام السيادة ووحدة الاراضي لأن هذا المبدأ سيتنحى أمام الرموز التاريخية والدينية والوطنية الايرانية ومنها الحق الالهي الذي منحه الفرس لأنفسهم في دستورهم بأن تحمل قواتهم المسلحة أعباء رسالتها الالهية لبسط حاكمية القانون الالهي في العالم.
وعندما يربط ظريف عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول بالتعهد بالامتناع عن المشاركة في تحالفات أو معاهدات ضد بعضها البعض ، فهذا يعني أن تلغي دول الخليج اتفاقات الحماية الموقعة مع الدول الاخرى لتكون تحت رحمة الحرس الثوري. وتسمح لولاية الفقيه الاستفراد بمنطقة الخليج العربي عسكريا. وليس بعيدا أن تطالب ايران دول الخليج العربي بحل مجلس التعاون بدوب الخليج العربية مدّعية أنه تحالف تشكّل لمواجهة اخطار ايران.
رابعا: ان دعوة ايران مع دول الخليج العربي للحوار هي حملة علاقات عامّة ومسعى لتحقيق ما عجزت عن تحقيقه صواريخها وطائراتها المسيّرة والغامها البحرية وحروبها الطائفية، ولذا يجب على الاخوة في الخليج العربي أن يعوا الأبعاد الحقيقية لمبادرة هرمز، وأن لا يكتفوا بتجاهلها ، أو بالرد المقتضب عليها، بل إن من المناسب أن ترد دول الخليج العربي على دعوة الحوار الايرانية بأن تقبل مبدأ الحوار وتضع ايران أمام مسؤولياتها بموجب القانون الدولي وتطالبها باستحقاقات تاريخية وقانونية وسياسية واجبة التنفيذ إن ارادت الحوار فعلا، وأن تضع دول الخليج العربي أسس وشرائط الحوار وتبلغ به الأمم المتحدة والرأي العام العالمي . وأن تعلن أن هذه الأسس والأطر تمثل صفقة متكاملة غير قابلة للتجزئة، فإن أعلنت ايران رسمياً أمام العالم قبولها لها عند ذلك يبدأ الحوار ، وأدناه أهم هذه الأسس والأطر المقترحة:
1 – إن مبدأ عدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام سيادتها ووحدة أراضيها وحقها في اختيار نظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي وفي التصرف في مواردها الطبيعية هو مبدأ راسخ في القانون الدولي ، وتنفيذ هذا المبدأ يتطلب مراجعة شاملة لتشريعات وممارسات جميع أطراف الحوار لتصحيح ما لا يتوافق مع هذه المباديء. والدستور الايراني فيه فقرات عديدة تتناقض مع هذا المبدأ، فهو ينص على “نصرة جميع المستضعفين على المستكبرين” ، وعلى “استمراريّة الثورة داخل البلاد وخارجها”،(ديباجة الدستور الايراني) وإن “جيش الجمهورية الإسلامية وقوات حرس الثورة تقوم على أساس الهدف المذكور ولا تلتزم هذه القوات المسلحة بمسؤولية الحماية وحراسة الحدود فحسب، بل تحمل أيضاً أعباء رسالتها الإلهية، وهي الجهاد في سبيل الله، والنضال لبسط حاكمية القانون الإلهي في العالم” (ديباجة الدستور الايراني /فقرة الجيش العقائدي)، و”توفير الدعم الكامل لمستضعفي العالم”. (المادة الثالثة الفقرة 16 من الدستور) و ” تدعم جمهورية إيران النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في جميع بقاع العالم”.(المادة 154 من الدستور).
فإذا ارادت ايران حوارا جديا قائما على إحترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج العربي فعليها أن تجعل تشريعاتها متسقة مع القانون الدولي وتجري التعديلات المناسبة على دستورها.
2 – الجزر الاماراتية المحتلة هي إحدى العقد المستعصية في العلاقات الخليجية- الايرانية والعلاقات العربية الايرانية بشكل عام، ولا بد من ان تكون في صلب الحوار. إن إعلانا من ايران بالموافقة رسميا على احالة النزاع حول الجزر الى محكمة العدل الدولية والقبول بولايتها يزيل عقبة أساسية أمام الحوار، كما أن على إيران أن تنهي ، وإلى الأبد، الدعاوى الفارغة التي تصدر عنها بشأن عائدية البحرين.
3 – إن حرية الملاحة في الخليج العربي عنصر أساسي من مقوّمات الأمن الإقليمي نظمتها الاتفاقيات الدولية النافذة، فاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 نظمت الملاحة في جميع المضائق، ومضيق هرمز يُعتبر وفق المادة 38 من هذه الاتفاقية جزءاً من أعالي البحار يحق لكل السفن، تجارية أو حربية، المرور فيه ما دام ذلك لا يضر بسلامة الدول الساحلية أو يمس نظامها، وايران لم تصادق على الاتفاقية ولم تعترف بالمرور العابر في أي جزء من مياهها الإقليمية أو في مضيق هرمز، وفرضت قيوداً على المرور البريء أيضاً، ومن أجل ان يكون الحوار شاملا لأمن الملاحة في الخليج العربي والمضائق فالمفروض ان تعلن ايران انضمامها الى اتفاقية قانون البحار , علما بأن جيع دول الخليج العربي إنضمت الى الاتفاقية عدا الامارات التي يجب ان يكون انضمامها متزامنا مع انضمام ايران.
4 – فيلق القدس الايراني مهمته التدخل العسكري في الدول المجاورة، إضافة الى تجنيده أسرى الحرب اللاجئين ، وخاصة اللاجئين الافغان، واستخدامهم في عملياته العسكرية خارج ايران خلافا للقانون الدولي واتفاقيات جنيف لعام 1949. إن إحترام سيادة دول المنطقة وعدم التدخل في شؤونها الداخلية يستوجب أن تحلّ ايران فيلق القدس بجميع تشكيلاته.
5 – الامن والاستقرار الاقليمي مرتبط بتنفيذ دول الاقليم التزاماتها الدولية، والأزمة الحالية المرتبطة بتنفيذ الاتفاق النووي بين ايران ومجموعة (5+1) هي مثال على ذلك. فالاتفاق النووي الذي اعتمده مجلس الأمن عام 2015 تضمن التزامات محددة كان على ايران تنفيذها، ومنذ اليوم الأول لسريان الاتفاق انتهكت ايران التزاماتها بموجبه، فلم تعلن عن برنامجها النووي السري السابق لصنع السلاح النووي، وواصلت تطوير الصواريخ البالستية مع ان الاتفاق يقول (مطلوب من ايران أن لا تقوم بأي نشاط يتعلق بالقذائف التسيارية المعدّة لتكون قادرة على ايصال الأسلحة النووية) وقامت بتصدير الأسلحة التقليدية الى بؤر الصراع في المنطقة وهو أمر محظور عليها، وواصل مسؤولوها الممنوعون من السفر التنقل بين الدول لتغذية الصراعات، ومنهم قاسم سيلماني، لذلك مطلوب اشراك ممثل عن دول الخليج العربي، أسوة بممثل الاتحاد الاوروبي، في عملية إعادة التفاوض للوصول الى اتفاق نووي جديد يساهم تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.
6 – على العكس مما هو معروف عالميا بأن الإعلام هو احد عناصر القوة الناعمة للدولة، فإن الاعلام الايراني يمثل القوة الصلبة لولاية الفقيه، وهو بموجب الدستور الايراني يتبع مكتب المرشد الاعلى. لذلك كانت ولا زالت وظيفته التعبير عن استراتيجية ولاية الفقيه ونزعتها للهيمنة على الخليج العربي من خلال التهديد باستخدام القوة وتضخيم القدرات التسلحية الايرانية ونشر التوتر والعنف وتسفيه عقائد أهل السُنّة، ونشر الطائفية مع تركيز على الأقلية الشيعية في البحرين والسعودية. كما يستخدام الاعلام الايراني المعايير المزدوجة إزاء النظم السياسية في دول الخليج العربي من أجل شق صفها.
وإذا أضفنا لهذه المؤسسة الاعلامية الايرانية الرسمية حوالي خمسين قناة فضائية تتحدث باللغة العربية أنشأتها الميليشيات الايرانية في العراق ، ومعها جيوش الكترونية لا تحصى، إتضح أن الوصول إلى صيغة متوازنة في منظومة الأمن والاستقرار في منطقة الخليج العربي يستوجب النظر في موضوع الإعلام لإنه يتصل مباشرة بالأمن القومي لجميع دول الخليج العربي.
خامسا : العنصرية الفارسية المتمثلة بنظام ولاية الفقيه تنظر الى العرب نظرة دونية وإلى أرض العرب أنها (مجالها الحيوي) للتوسع. وإذا لم يلجم العرب هذه النعصرية والتوسعية بموقف اقتحامي صلب ، ولعلّي أقول بموقف صَدّامي، وفقاً لمبادئ العدل والقانون الدولي، فسنشرب كأس العلقم بدلا من أن نُسقهم اياه.
والله المستعان
بغداد 1/2/2021