
رسالة من الصين إلى العرب: الأتراك يشوهون حقائق التاريخ…. أبناء أقلية الإيغور المسلمة فى “شينجيانغ” ليسوا جزء من الأتراك
فهل سيدعم العرب الصين فى مواجهة سياسات واشنطن بشأن إقليم “شينغيانغ”؟
بقلم: د.نادية حلمى
أستاذ مساعد العلوم السياسية بكلية السياسة والإقتصاد/ جامعة بنى سويف- خبيرة فى الشئون السياسية الصينية- محاضر وباحث زائر بمركز دراسات الشرق الأوسط/ جامعة لوند بالسويد- مدير وحدة دراسات جنوب وشرق آسيا- عضو ملتقى الخبراء والباحثين العرب فى الشئون الصينية
لعل أهم ما صادف الباحثة المصرية فى الفترة الأخيرة هى محاولة “توريطها” أمريكياً بشأن نسب “تصريحات مفبركة” لها فى الصحافة الأمريكية حول إضطهاد طلبة المسلمين الأيغور فى القاهرة. ومع توالى إتصالات الصحافة الأمريكية والصحفيين من واشنطن بالباحثة المصرية، لأننى – وفق تعبيرهم – من أقدر الباحثين والخبراء المصريين والعرب فى الشئون الصينية ملمة بهذا الشأن، نظراً لقربى الشديد من الجانب الرسمى الصينى.
وبعدها بعدة أيام أجرت معى وكالة الأنباء الصينية الرسمية “شينخوا” حديث طويل تناول (6 أسئلة) – تم نشرهم فعلياً لى باللغة الصينية فى الصحافة الصينية الرسمية – حول الهجوم الأمريكى ضد بكين بشأن سياساتها فى إقليم “شينغيانغ”، وتصديق
مجلس الشيوخ الأمريكى فى شهر سبتمبر الماضى على مشروع قانون يتعلق بمسلمى الإيغور فى الصين، وقال القانون إنهم يتعرضون لحملة قمع وتوقيف جماعى وطالبت الإدارة الأمريكية بالنظر فى كيفية معاقبة المسؤولين الصينيين. مع العلم أنه قد قدم بالفعل مشروع قانون مشابه فى شهر نوفمبر ٢٠١٨، لكن لم يصدق عليه فى مجلس الشيوخ قبل إنتهاء دورة الكونجرس.
وجاءت أسئلة الوكالة الصينية “الرسمية” الستة لى، عن: رؤيتى لهذا القانون، هل أعتبره تدخلاً غير مقبولاً فى الشأن الصينى؟، ما الأسباب وراء إقرار هذا القانون؟، هل تستخدم أمريكا ورقة المسلمين الإيغور للضغط على الصين؟، وأخيراً، هل تعتقدين أن الصين يمكن أن ترضخ لهذه الضغوط؟، فضلاً عن تصوراتى لكيفية رد الصين على واشنطن بشأن محاولتها لتمرير هذا القانون ضد الصين ومسئوليها.
مما دفعنى لأن أخبر صحفى وكالة “شينخوا” الصينية فى إتصاله بى بأن الصحافة الأمريكية قد سبقتهم لإجراء الحوار معى حول هذا الموضوع، وهو ما أثار ضحكنا سوياً. إلا أن الجديد والمستفز فى الأمر، هو وضع تصريحات لى – لم أدل بها أساساً – ونسبها لى فى الصحافة الأمريكية بشأن مسلمى الإيغور فى “شينغيانغ” وطريقة معاملة القاهرة لها، وهو ما أرغب فى الرد عليه فى بيان منفصل لتوضيح كافة الحقائق المتعلقة بهذا الشأن أمام الدبلوماسيين الأجانب الذين طلبوا منى تفسيراً حول هذا الأمر.
وتعد أخطر وثيقة أطلعت عليها الباحثة المصرية خلال الفترة الأخيرة هى الوثيقة الصادرة من الحكومة الصينية فى يوليو 2019، والتى إعتبرت فيها “إن منطقة شينجيانغ بشمال غرب البلاد جزء لا يتجزأ من الصين رغم جهود المتطرفين الرامية إلى تشويه التاريخ والحقائق فى محاولة لتقسيم البلاد”. وقالت الحكومة فى الوثيقة التى نشرها المكتب الإعلامى التابع لمجلس الدولة الصينى إنه من الخطأ الإشارة إلى أن أبناء أقلية الإيغور المسلمة فى “شينجيانغ” ينحدرون من الأتراك، مشيرة إلى أنهم أصبحوا الأداة السياسية لجماعات إسلامية وأخرى مناصرة للشعوب التركية. وأضافت الوثيقة أن “القوى المعادية داخل الصين وخارجها، لا سيما الإنفصاليين والمتطرفين الدينيين والإرهابيين، حاولت تقسيم الصين وتقطيع أوصالها بتشويه التاريخ والحقائق”. خاصةً مع وجود إتهامات صينية رسمية للجانب التركى بتشويه حقائق التاريخ، خاصةً مع زعم رئيس الوزراء التركى “أردوغان” المتكرر بأن مسلمى إقليم “شينغيانغ” الصينى جزء لا يتجزء من الداخل التركى ومن الحدود مع تركيا، خاصةً مع ما ثبت من إتهامات صينية للجانب التركى بتسهيل هروب عدد من شباب الإيغور عبر الحدود التركية وتسهيل مرورهم إلى داخل الأراضى السورية للقتال إلى جانب تنظيم “داعش” و “جبهة النصرة”، وغيرها من التنظيمات الإرهابية فى المنطقة.
ولكن المفاجأة التى تابعتها الباحثة المصرية بدقة شديدة فى شهر يوليو الماضى 2019 – وحتى أكون دقيقة وأمينة فى وصفى ونقلى للأمور من وإلى الجانب الصينى والعربى والدولى بشأن الصين – وهو ما عبرت عنه الصحف الصينية الرسمية (فعلياً) فى وقت لاحق، هو تراجع “أردوغان” عن تصريحاته عن مسلمى “تركستان الشرقية” التابعة للصين ونسبهم للجانب التركى والحدود التركية، حسب ما أعلنته وكالة الأنباء الصينية الرسمية “شينخوا” فى شهر يوليو الماضى بشأن تراجع الرئيس التركى (رجب طيب أردوغان) عن موقفه حول القمع فى إقليم “شينغيانغ”، وقال لنظيره الصينى (شى جين بينغ)، إن الأقليات المسلمة “الإيغور” تعيش بسعادة فى إقليم “شينغيانغ”، وهو الموقف الذى وصفه بعض المراقبين بأنه تحول “خطير” عن تصريحات أنقرة الأخيرة. وكانت وزارة الخارجية التركية قد وصفت معاملة المسلمين الإيغور الناطقين باللغة التركية بأنها “عار كبير على الإنسانية”.
وكانت وكالة أنباء شينخوا قد نقلت عن (أردوغان) قوله، إن “تركيا ما زالت ملتزمة بسياسة الصين الواحدة”، مشدداً على أن “كون المقيمين من مختلف الإثنيات يعيشون بسعادة فى منطقة “شينغيانغ” للإيغور التى تتمتع بحكم ذاتى بسبب إزدهار الصين هى حقيقة ثابتة، وتركيا لن تسمح لأحد بدق إسفين فى علاقاتها مع الصين”. وأضافت الوكالة الصينية أن أردوغان “عبر عن إستعداده لتعزيز الثقة السياسية المتبادلة والتعاون الأمنى مع الصين للتصدى للتطرف”. وحذر (أردوغان) من الذين يسعون إلى “إستغلال” قضية “شينغيانغ” لخلق التوترات مع الصين، المستثمر وشريك التجارة الكبير لتركيا، وفق الوكالة الصينية الرسمية.
وبإطلاعى على القانون الأمريكى المزمع تمريره ضد الصين خلال شهر سبتمبر الماضى، لفت نظرى أن الأخطر من وجهة نظرى هو نص مشروع القانون صراحةً على تكليف الإستخبارات الأمريكية بإعداد تقرير فى غضون ستة أشهر عن حملة القمع فى إقليم شينغيانغ، فى شمال غرب الصين. كذلك ينص مشروع القانون على تعيين وزارة الخارجية الأمريكية منسقاً خاصاً فى ملف “شينجيانغ” والطلب من مكتب التحقيقات الفيدرالى الأمريكى النظر فى تقارير تفيد بتضييق الصين على رعايا أمريكيين وأبناء هذه الأقلية. كما يحض مشروع القانون الأمريكى وزير الخارجية الأمريكي (مايك بومبيو) على النظر فى إمكانية فرض عقوبات على مسئولين صينيين لتورطهم – وفق وجهة النظر الأمريكية – عن هذه الممارسات، وخصوصاً السيد (تشين قوانغ وو)
Qín guāngwǔ 秦光武
مسؤول الحزب الشيوعى فى شينجيانغ. وهذا ما يعد تدخلاً غير مقبول فى الشأن الداخلى للصين وفق الرؤية الرسمية الصينية.
حيث تم توجيه إتهامات أمريكية إلى حكومة بكين بأنها تحتجز ما يصل إلى مليون من المسلمين الأويغور فى معسكرات فى إقليم شينجيانغ، لكن السلطات الصينية تنفى هذا العدد وتؤكد أن هذه المعسكرات ليست سوى (مراكز للتأهيل المهنى) لمكافحة التطرف. والشئ العجيب هو أن مشروع قانون مجلس الشيوخ الأمريكى سيستحدث مناصب داخل وزارة الخارجية الأمريكية ومكتب التحقيقات الفيدرالى ووكالات الإستخبارات الأمريكية لدراسة القضايا المتعلقة ببرنامج الإعتقال المستمر، مما يزيد الضغط الذى تمارسه واشنطن على الصين بسبب الإتهامات الأمريكية بإحتجاز الصين ما يصل إلى مليون شخص، معظمهم من أقلية الإيغور العرقية المسلمة، فى معسكرات تثقيف سياسى غير قانونية. وهذا ما تنفيه الحكومة الصينية بشدة.
وتصف بكين هذه المجمعات بأنها “مراكز تدريب تعليمى” للمساعدة فى القضاء على التطرف وإكساب الناس مهارات جديدة. ومن هنا، فقد أعلن وزير الخارجية الأمريكى “مايك بومبيو” يوم الجمعة الموافق 6 سبتمبر 2019، أن واشنطن ستعبىء المجتمع الدولى دفاعاً عن “المسلمين الأيغور” وذلك خلال إنعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، معتبراً أن كيفية تعامل “بكين” مع هؤلاء تشكل “وصمة” فى سجل حقوق الإنسان فى العالم.
ومما يزيد من حدة التوتر بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية هو أن مشروع القانون الجديد يدعو لفرض عقوبات مالية وأخرى متعلقة بحرية السفر بموجب قانون أمريكى يعرف بـــ (جلوبال ماجنيتسكى) ضد المسؤولين الصينيين المتورطين فى برنامج الإحتجاز. وهو ما ترفضه الصين بشدة وتعتبره تدخل غير مقبول فى شئونها الداخلية.
وفى تصريح آخر لوزير الخارجية الأمريكى “مايك بومبيو”، فى شهر مايو 2019، قال بأن الصين تشكل خطراً حقيقياً على الأمن القومى الأمريكى. كما قال “بومبيو” فى مقابلة مع شبكة (سى.إن.بى.سى) إنه يصدق تقريراً أوردته صحيفة ” نيويورك تايمز” الأمريكية بأن الصين تستخدم أدوات مراقبة عالية التقنية لإضطهاد أقليات مثل المسلمين الأويغور. وكانت صحيفة “نيويورك تايمز” قد نشرت مقالاً فى الخامس من مايو 2019، بعنوان: “علينا القلق من إستخدام الصين لتطبيقات مثل “تيك توك”، وأشارت خلال التقرير إلى إستغلال الصين لقطاع تكنولوجيا المعلومات من أجل القيام بممارسات تنتهك حقوق الإنسان فى “شينغيانغ”.
وأصدرت قرابة 24 دولة بمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة خطاباً فى شهر يوليو 2019 دعت فيه الصين لوقف الإحتجاز الجماعى. ورداً على ذلك، وقعت السعودية وروسيا و35 دولة أخرى خطاباً يشيد بما وصفته بإنجازات الصين الملحوظة فى مجال حقوق الإنسان. ودافعت السعودية عن توقيعها و36 بلداً آخر خطاباً يدعم سياسات الصين في منطقة شينجيانغ التى تقول الأمم المتحدة إن مليون شخص على الأقل من (الإيغور) وغيرهم من المسلمين معتقلون بها.
وعندما سأل صحفيون فى نيويورك السفير السعودى لدى الأمم المتحدة “عبد الله المعلمى” عن تأييد بلاده للخطاب قال “الخطاب يتحدث عن العمل التنموى للصين. هذا كل ما يتحدث عنه. لا يتناول أى شىء آخر”. وأضاف “ما من جهة يمكن أن تكون أكثر قلقاً بشأن وضع المسلمين فى أى مكان بالعالم أكثر من المملكة العربية السعودية”. وتابع “ما قلناه في الخطاب هو أننا ندعم السياسات التنموية للصين التى إنتشلت الناس من الفقر”.
وجاء فى نسخة من الخطاب السعودى للأمم المتحدة “أن الأمن قد عاد إلى شينجيانغ وأن الحقوق الأساسية للناس هناك من كافة العرقيات مصونة”. وقال الخطاب السعودى “فى مواجهة التحدى الخطير المتمثل فى الإرهاب والتطرف، إتخذت الصين سلسلة إجراءات للتصدى للإرهاب والقضاء على التطرف فى شينجيانغ بما فى ذلك إقامة مراكز للتدريب والتأهيل المهنى”.
وأخيراً، نأتى للسؤال الأخطر من وجهة نظرى، والمتعلق بمدى رضوخ الصين لتلك الضغوط الأمريكية، ففى إعتقادى الشخصى، فأنا لا أعتقد أن الصين سترضح لضغوط واشنطن، خاصةً مع تنامى العلاقات بين الصين ومختلف دول العالم خاصة البلدان العربية والإسلامية التى إنضمت للمبادرة الصينية للحزام والطريق، والدليل على ذلك هو أن 37 دولة بينها روسيا والمملكة العربية السعودية قد أرسلت رسالة إلى الأمم المتحدة فى شهر يوليو 2019 كما أشرت سابقاً، فإلى جانب السعودية وروسيا وقع رسالة التأييد للصين بشأن دعمها لسياساتها فى إقليم “شينغيانغ” عدد من سفراء الدول الأفريقية وكوريا الشمالية وفنزويلا وكوبا وسوريا وباكستان وسلطنة عمان والكويت وقطر، والإمارات، والبحرين. عبرت فيها هذه الدول عن تأييدها لسياسة الصين فى إقليم شينجيانغ الواقع فى غرب البلاد، فى تناقض واضح مع الإنتقادات الغربية المتكررة لسياسة بكين فى الإقليم. وهذه رسالة واضحة بأن أصدقاء بكين لن يتركونها فى مواجهة أمريكا والغرب مع تزايد مصالحهم الإقتصادية مع الصين. فضلاً عن وصف أصدقاء بكين فى رسالتهم إلى المجتمع الدولى وإشادتهم بما وصفته بإنجازات الصين الملموسة فى مجال حقوق الإنسان.
وجاء مضمون الرسالة السعودية وعدد من رسائل الدول العربية والإسلامية والأفريقية للأمم المتحدة فى شهر يوليو الماضى بشأن تعامل حكومة بكين مع إقليم “شينغيانغ”، بأنه “فى مواجهة التحدى الخطير المتمثل فى الإرهاب والتطرف إتخذت الصين سلسلة من إجراءات مكافحة الإرهاب والقضاء على التطرف من بينها إقامة مراكز التعليم المهنى والتدريب، وأن الأمن قد عاد إلى “شينجيانغ” وأن هناك حفاظاً على حقوق الإنسان الأساسية للأشخاص من جميع الجماعات العرقية فى الإقليم، والدليل على ذلك هو أنه لم يقع هجوم إرهابى واحد منذ ثلاث سنوات والناس فى “شينجيانغ” لديهم إحساس أقوى بالسعادة والإنجاز والأمن”.
فكانت تلك الرسالة الموجهة من قبل السعودية والعالم الإسلامى للأمم المتحدة بشأن تأييدهم للإجراءات الصينية فى شينجيانغ هى خير دليل من حشد حكومة بكين للمجتمع الدولى الصديق لتأييد مواقفها فى هذا الإطار. وهو ما عبر عنه فعلياً السيد/ سو تشين
Sū qín 苏琴
السفير الصينى لدى مجلس حقوق الإنسان فى ختام دورة للمجلس إستمرت ثلاثة أسابيع خلال شهر يوليو الماضى بأن بلاده “تقدر بشدة الدعم الذى تلقته من الدول الموقعة على الرسالة”، مع توجيه الصين رسالة شكر خاصة للمملكة العربية السعودية.
ويبقى التساؤل الأخير لدى الباحثة المصرية – كمتخصصة فى الشأن السياسى الصينى – عن: هل ستحتشد الدول العربية والإسلامية دفاعاً عن مصالحها مع بكين ضد واشنطن بشأن سياسات الصين فى إقليم “شينغيانغ”؟، خاصةً مع توافر أدلة وقرائن صينية، وصور وفيديوهات من داخل مراكز إعادة التأهيل – تحتفظ الباحثة بنسخ فعلية منها – تثبت بالدليل القاطع، بأنها (مراكز تأهيل) وليست (مراكز إحتجاز تعسفى) كما تردد واشنطن والغرب…. والإجابة ستنتظرها الصين فى القريب العاجل بشأن مدى دعم المجتمع العربى والإسلامى لقضاياها كمقابل لدعمها لقضايانا التنموية وتمويل مشروعاتنا التنموية فى إطار مبادرتها العالمية للحزام والطريق فى المنطقة والعالم الإسلامى. والسلام