عاجلمقالات

عودة ميمونة

 

تلازمنا بين الفينة الأخرى رغبة في العودة إلى الوراء و التأمل في السنين التي تكدست بين مفاصلنا كالصدأ. نترقب في صمت و بابتسامة عريضة براءة الزمن الذي خلى و مضى. نرجع من أجل تشافي أرواحنا التي ملت من تشابه الأيام و الشخوص و الأحداث و لو لبضع لحظات، لكي تنفخ فينا جرعة من الأمل و الطموح. نعود لكي نستشعر ما غطانا بالدفء ليلة أمس من لحظات سعيدة و أيام فتية، من ناس مروا علينا و تركوا آثارا لن يمحوها التاريخ.
يحدث أن نرغب في العودة ، من أجل تصحيح الأخطاء التي ارتكبناها ، و لمصالحة من قاطعناهم لأسباب تافهة، و للمبادرة في تلك اللحظة التي ارتأينا أنها مناسبة حينها ، و لتقديم كل الاعترافات التي وقفت متصلبة أمام كبرياءنا و كرامتنا ، و من أجل إنجاز ما كان متاحا لنا لكننا أجلناه لزمن غير مسمى حتى فات الميعاد و اعترانا الندم.
يحدث أن نرغب في العودة من أجل التموقع في زمن جميل ، و بخيالنا نقطع الزمان و الجغرافيا لنستشعر لطافة بعض اللحظات مع أحبتنا ، حيث كان من السهل تنظيم التجمعات العائلية و زيارات الأهل الأقارب ، و حيث كان ما يسعنا من الوقت للقيام بذلك. زمن مسالم فيه انتعش الخير و الوفرة و لم يكن فيه ما يشوبه أو يُذهب عنه البركة.
نتأرجح دائما نحو الماضي ، هذا الماضي الذي يسكننا بكل مكوناته ، من فرح و حزن و نجاح و فشل… و لست أتفق مع من ينادي بالتخلص منه و يؤكد على ضرورة الإغلاق عليه في زنزانة النسيان ، بل أرشح أكثر أن يتم تقبله بكل تفاصيله الجميلة و المحزنة، والتصالح مع قراراته و القبول بها لأنها تلخص وعيا و تفكيرا يجسد زمانا و مكانا محددين، و هو المرجع الذي نستند إليه في كل مرة نرغب في التقدم نحو الأمام.
ما سيعتبر خطأ هو أن يتعبد الإنسان في محراب الماضي، و أن يغلق على نفسه رافضا كل الفرص التي يتيحها الحاضر، و أن لا يستوعب أن دوام الحال من المحال ، و أن هذه قاعدة كونية لا تستثني شيئا على هذه البسيطة.
على سبيل الختم ، إن الهدف من هذا التأطير المتواضع عزيزي القارئ لم يكن رغبة مني أن أحيطك بما لا علم لك به ، بل كان ذلك من باب التذكير بأن الماضي قريننا السرمدي و من الضروري تقبله و التصالح معه و المضي قدما.

مشعل اباالودع

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى