عاجلمقالات

قراءة في اتفاقية السلام الإماراتية الإسرائيلية من منظور إستراتيجي”

 

‏بسم الله الرحمن الرحيم

‏قراءة في اتفاقية السلام الإماراتية الإسرائيلية من منظور إستراتيجي”
‏بقلم : بوعبدالله
‏حساب تويتر
‏ ⁦‪@mansouri9000011‬⁩
‏ السياسة الخارجية لاي دولة تنطلق من منظور واقعها الداخلي ، ومن رؤية الدولة لنفسها ولدورها الخارجي ، وعلاقاتها بالعالم أقليمياً ودولياً مرتكزة بذلك لتحقيق مصالحها الحيوية . ولتحقق ذلك عليها أن تتعامل مع جميع المجالات المؤثرة والممتدة إلى ساحات الدول الأخرى سواءً كانت حليفة ، او صديقة ، او منافسة ، أو حتى معادية . فدولة الإمارات كما يبدو تتعامل مع واقع الصراع العربي الإسرائيلي من منظور واقعها الداخلي المزدهر ، وفكرها المتقدم والمتحرك نحو المستقبل ، الذي لا يؤمن بثبات الأشياء . ذلك المنظور أنعكس على قرارها الأخير للقفز خارج صندوق عدم التطبيع الذي حبس العالم العربي نفسه فيه 70 عاماً ، مما تسبب في ضياع الكثير من الفرص على الأمة العربية ، وضياع المزيد من الحقوق الفلسطينيه. دولة الإمارات بتوقيعها لمعاهدة السلام مع إسرائيل كسرت بذلك الحاجز النفسي عندالكثير منالعرب ،ووضعت حداً لحالة الصراع البارد مع إسرائيل ، كما أن هذا الإتفاق أوجد خط اقتراب جديد في مسارحل
‏القضيةالفلسطينيه ،
‏وأصبح للفلسطينين ظهيراً يعتمد عليه في دعم مواقفه في مواجهة الإسرائيليين .
‏تحاول بعض الأصوات الحنجورية وأصحاب النفس القومجي والأخونجية في شتات التيه أن يخرجوا هذا الأتفاق من مضمونه الحقيقي، والأتفاق في حقيقته لا يخرج من أطار إقامة علاقات طبيعية بين دولتين ، لا يحمل في طياته أي تفريط لحقوق الغير ، وأسرائيل تعلم جيداً بإن الإمارات لا تمتلك أي حق قانوني للتنازل وللتفريط بأية حقوق فلسطينية . إلا أن الإتفاقية ستؤسس لقاعدة حوار وتعاطي لملف القضية الفلسطينية بإيجابية لحلحلة المسار التفاوضي نحو الحل الشامل وتوفير سنوات طويلة على الفلسطينين والعرب من ضياع المزيد من الفرص .
‏في رأيي أن الجرأة التي تبنتها السياسة الخارجية لدولة الإمارات جاءت من إيمان القيادة فيها بإن الوقت قد حان للتقدم، وليس هناك مزيد من الوقت للإنتظار وتضييع الفرص ، فالعالم العربي اليوم يعيش حالة متقدمة من الضعف وفقدان التوازن الذي قد يقود الى خلل تام في ميزان القوى في مواجهة ايران وتركيا ، مماسيجعل الموقف العربي أكثر ضعفاً في مسار أية تسويات جديدةللقضيةالفلسطينيه ، فالخطوة الشجاعة لسمو الشيخ محمد بن زايد بإبرام اتفاق السلام هي بمثابة عملية إنقاذ لما تبقى من التوازن الأستراتيجي الذي أوشك على الأنهيار لصالح مشاريع الأطراف الأخرى غير عربية في المنطقة ، بعد أن عاشت المنطقة العربية فراغاً أستراتيجياً تم إستغلاله من أطراف عديدة مثل إيران وتركيا.
‏وما يحسب لدولة الإمارات أنها أخذت المبادرة وتحركت سياسياً وأقتصادياً وعسكرياً في منطقة الفراغ الإستراتيجي بدءً من اليمن وصولاً الى شمال أفريقيا في محاولة منها مواجهة التمدد التركي والإيراني ، ذلك التحرك الفاعل في مواجهة قوى الشر والأرهاب والتخريب جعل لدولة الإمارات وزناً وموثوقية أقليمياً ودولياً، مما أكسبها رصيداً دولياً ليجعل دولة عظمى مثل الولايات المتحدة وكذلك إسرائيل أن ترى فيها طرفاً موثوقاً وفاعلً بإمكانه تغيير معادلة الصراع العربي الإسرائيلي لصناعة واقع سلام حقيقي في أية تسويات قادمة في المنطقة .في المقابل وجدت دولة الإمارات في هذا التوقيت فرصة سانحة بهذا الأتفاق لدعم سعيها في ملئ الفراغ الإستراتيجي بمقاربة صادمة تقلب من خلالها ميزان القوى لصالح المشروع العربي في مواجهة مشاريع تركيا وإيران .مقاربة دولة الإمارات في توقيعها لإتفاقية السلام مع إسرائيل جاءت لحث إسرائيل لتقديم ما يشفع من تنازلات ذات قيمة تدفع أطراف عربية أخرى للتقدم نحو مسار السلام ، بالتالي ستجد إسرائيل نفسها ملزمة لتساعد على تصفية النفوذ الإيراني والتركي لتخلق من جوارها العربي بيئة مستقرة ليتحقق الأزدهار
‏كقيمة مضافة وتبادلية في تقاسم منافع السلام . بالإضافة لذلك ان دولة الإمارات أرادت من خطوتها نحو السلام أنتشال العالم العربي من حالة الأستنزاف المعنوي والفكري والأقتصادي الذي حبس امة بأكملها على مدار 70 عاماً في سجن الصراع مع إسرائيل ، فمنذ أخر حرب خاضها العرب مع إسرائيل عام 73 يعيش المواطن العربي هاجس الأنهزام المعنوي لفشل النظام العربي استعادة الحقوق العربية والفلسطينية بالإضافة للحالة المتردية للمشروع العربي ، كما خلقت تلك التراكمات الى تكلس فكري في إطار لاءات قمة الخرطوم التي لم تقدم للقضية الفلسطينية سوى الجمود والمزيد من ضياع الفرص . تلك الحالة أنتجت نوع من الصراع البارد الذي أنعكس سلباً على حالة الأستقرار السياسي والأضطراب الأمني وأنتجت المزيد من الأستنزاف الداخلي للموارد الأقتصادية الذي اوقف بالتالي التنمية في كثير من الدول العربية التي انتجت حالة مضاعفة من الضعف والمزيد من الأنهزام النفسي على مستوى المواطن العربي . مقاربة دولة الامارات هي خطوة ضرورية ومحاولة لوضع حد لتلك الحالة من الأستنزاف والأنطلاق بالعالم العربي نحو أفاق جديدة من التعايش السلمي لتحقيق الأستقرار الذي بالنتيجة سيقود المنطقة الى مربع الأزدهار . من ذلك المنطلق ومن حاجة إسرائيل الفعلية للسلام أرادت دولة الإمارات أستغلال تلك الحالة والظروف لجذب إسرائيل للسلام العادل الذي يحقق مصلحة كافة الأطراف ، مما سيدفع بإسرائيل إلى واقع جديد وهو الشراكة مع محيطها العربي الذي يمتلك أقتصاداً ضخماً يصل ناتجه الأجمالي نحو 2,697 ترليون دولار ، ما سيدفعها مجبرةً نحو المشروع العربي على حساب تركيا التي أتخذتها أسرائيل طوال العقود الماضية كعمق وشريك أستراتيجي في مواجهة المقاطعة العربية لها . وبالنتيجة أستفادت تركيا من الصراع العربي الإسرائيلي بتقاربها الإستراتيجي مع إسرائيل لتبني قدراتها التقنية والعسكرية والأقتصادية ، وان تحقق لنفسها شرعية العربدة على الحقوق العربية من منطلق تقاطع اهدافها مع مصلحة إسرائيل في أضعاف الدول العربية.
‏من زاويةأخرى لأتفاق السلام مع إسرائيل ، أرتأت القيادة الإماراتية أنه لا بد من كسر حالة اللا سلم واللا حرب بالتوجه نحو السلام ، فتلك الحالة منذ 73 خلقت منطقة رمادية مكنت أطراف عدة في إستغلالها للعبث وتمرير أجنداتهم بدءً من القيادة الفلسطينيه نفسها التي مارست دور التاجر الإنتهازي . كما وجدت إيران نفقاً لها من خلال تلك المنطقة الرمادية للتغلغل في العمق العربي ومد نفوذها وأشعال الفتنة الطائفية لتسيطر بذلك على 4 عواصم عربية تحت عنوان المقاومة والممانعة. وجاءت ثورات الخراب لتتوج مخطط ضرب وحدة تماسك الأمن والأستقرار في الوطن العربي لتفكيك ما تبقى فيه أمكانيات وقدرات لخلق المزيد من الخلل في ميزان القوى في المنطقة لصالح اعداء العرب . لذا كان من الضرورة وضع نهاية ومسح تلك المنطقة الرمادية بمقاربة أتفاق السلام لأنهاء حالة العبث منذ عقود على حساب أمن واستقرار المنطقة.
‏أعتقد أن على العرب اليوم أستغلال حاجة إسرائيل للسلام ، قبل ان تنتفي تلك الحاجة و يصبح السلام مجرد تحصيل حاصل ومن ثم لا تجني الدول العربية أية قيمة مضافة منه . كما يجب أستغلال الظرف الحالي بأغراء إسرائيل والولايات المتحدة بتصفية كافة التهديدات التي تشكلها إيران وتركيا على مستقبل السلام .
‏ما يفرضه الواقع ومتطلبات المرحلة أن يتقدم العرب بخطوات متقدمة بتطوير مشاريع عملية تعيد التوازن الإستراتيجي في المنطقة سواءً عسكرياً وأقتصادياً لضمان أدامة الأستقرار والأمن والأزدهار لكافة شركاء السلام في المنطقة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى