عاجلمقالات

معركة تَصْنِيف الحسابات التويترية

 

ما بين فترةٍ لفترة تعلو أصداح
معارك بين حسابات تويترية
وتتشدق كلٌّ منها بالوطنية الزائفة .
عذراً لمصطلح “الوطنية الزائفة”
ولكني لم أجد أخف من هذه الكلمة .
فلو كان الولاء فعلاً للوطن لما وجد
معارك في توقيتات مَشْبُوهَة تخدم
بتوجهاتها أجندات معاديةٍ .

لقد ضقتُ ذرعاً بتلك الحسابات
واختيار خاصية un follow إلغاء المتابعة
كان مريحاً لي .
عندما تتفكّر في مغزى تلك المعارك
لا تجد شيئاً منطقياً مجرد تبادل تُهم
مع تخوين وكأن الوطنية حِكْرٌ على فئةٍ دون غيرها .
إذاً ليس المغزى هو التخوين بحد ذاتهِ
إنما هو أعمق من ذلك “اَلتَّصْنِيف”
مخطط تَقْسِيم الشرق الأوسط بدأ بتنفيذ خططه
في منتصف التسعينيات بإرساء قناة الجزيرة
وباستقطاب فئة الشباب
وتعزيز القيّم الثورية باسم الديمقراطية والحريات من جهة
وبتلميع شيوخ الدين وتعزيز الخطاب الديني من جهةٍ أخرى .
قطبان متعاكسان ولكن كانوا
يحملون ذات الهدف ويخدمون ذات الأجندة .
“إثارة سخط الشعوب على حكامها”
ليسهل إسقاطها لصالح إسرائيل وما وراءها .
هذا المخطط لم ينجح مع بعض الدول
ذات الطبيعة الغير ثورية التي تتمتع
بعلاقة مميزة مع حكامها.
مسمى الوطنية التي حاولوا طمسه
لصالح فكر عابر للحدود
بصبغة دينية أو فكرية
هدم أحلامهم وجعلهم صَاغِرِينَ .
فما كان أمامهم سوى استخدام هذا السلاح
وقلبه ضدنا.
كما أشرت سابقاً اَلْيَسَار الدولي
عمل على تصّنيف العالم العربي لِشِقَّيْنِ
شق يحلم بالديمقراطية الغربية
وشق يحلم بعودة دولة الخلافة الإسلامية .
مما سهل عليهم إستقطاب كل فئةٍ
على حدى وجعلها تتبنى مخططاتها
رغم تباين تواجهاتهم ومعاركهم الإعلامية .
ما أشبه اليوم بالأمس فهناك
من يحاول تَصْنِيفنَا لفئات A B C
-فئة وطنية بنكهة ليبرالية علمانية
-فئة وطنية بنكهة إخوانية صحوية
-فئة وطنية بنكهة معتدلة دينية
-فئة وطنية “وطنية متعصبة”
-فئة وطنية “وطنية معتدلة”
-فئة متعصبة للقيادة وفئة ضدها
-فئة تميل للعنصرية وفئة ضدها وهكذا
سوف تقول لي ما أهمية تلك اَلتَّصْنِيفَات
إذا كان حب الوطن يجمعنا ..!
أقول لك هذا اَلتَّصْنِيف لن يفرقنا
ولكن قد يحدث شرخاً يسهل صدعه مع الزمن .
فطبيعة الإنسان تجعله متعصباً
لفكره ومذهبه ودينه ومعتقده
مع ضمان ولائه لقوميته وقبليته .
من هنا تجد خطابات تعزز المناطقية
وتغذي العنصرية في دولة كبيرة بحجمها
وبناسها يجعلون علم بلادهم منارتهم
وذلك ليسهل اختراقها وتفتيتها من الداخل .
نرجع للمعارك التويترية وخطورتها
التي تنشط حيناً وتخبو حيناً أَخَّرَا.
لن أتحدث عن توقيتاتهم لأنها مريبة
ولكن سوف أتحدث عن هدفهم الأسمى.
كل تلك الحسابات تلبس قناع الوطنية
وتنادي باحتكارها كما أحتكر
سابقيهم الجنة وجعلها محصورةً بهم .
لكل حساب هناك مجموعة تُمارس عليها
سياسة القطيع لكونك متابعٍ أعمى
أسكتَ عقلك وقتلتَ بصيرتك.
فلو أفقتَ ذاك الحس الفطري الذي لديك
وتمعنتَ فيما يغرسونه من أفكار تجد
بأنك أمام حساب يخدم بتوجهاته أجنداتٍ معادية .
فمثلاً : روسيا استغلت كورونا في محاولةٍ منها
لإسقاط الاتحاد الأوروبي الذي يشكل بقوانينه
عائقاً أمام سيطرتها على أوروبا الشرقية .
ومثلاً: تجد أن هناك من ينادي ببطلان قرارات
جامعة الدول العربية
التي تشكل عائقاً أمام إسرائيل التي تريد
ابتلاع المنطقة بأسرها.
وهناك من ينادي بعدم جدوى
مجلس التعاون الخليجي بسبب سياسات بعض الدول
المتضاربة مع السعودية مع إن المتضرر الوحيد
من هذا المجلس هو إيران
التي احتلت شرق الخليج العربي وتطمح بغربه .
وهناك من يريد عزل السعودية
وتحيّدها عن محيطها العربي والخليجي
بإسم مصلحة بلادي أولاً.
وهناك من يطعن بأحقية السعودية
في قيادة العالم العربي والإسلامي
لصالح دولة تريد فرض هيمنتها
باسم الخلافة الإسلامية.
الإعلام المعادي نجح سابقاً
في أدلجة الفكر العربي بتنفيذ سياسة القطيع
والآن المخطط يتكرر ولكن بأيدي سعودية
تفعل ذلك بقصدٍ أو دون قصد .
وأخيراً لا أملك مصادرة رأيك ولكن
لا تسمح لأحدهم بتأجير عقلك .
ففي النهاية أنت تصنّف كوقودٍ لتلك الحرب الوهمية .

بقلم / شمعة أحمد
كاتبة رأي ومدوَّنة أدبية

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى