
المقدمة:
إذا كان صامويل هنتجتون دعى إلى إعادة صنع النظام العالمي من خلال نظرية (صدام الحضارات) نتيجة لممارسات الجماعات الإرهابية، وكان من نتائجه أن الإعلام الغربي ألصق الإرهاب بالأمة العربية والإسلامية..فإن الأمير محمد بن سلمان ولي العهد استطاع أن يعيد صياغة هذه العلاقة وفق مباديء الثقة والتعايش السلمي والتسامح بين أبناء الحضارات عبر نظرية (تعايش الحضارات).
وبعد المقدمة:
الأشياء تُستهلك بفعل استخدامها وعوامل سنن التاريخ والتطوّر والطبيعة التي تفرض انتهاء صلاحيتها، ثم أبدع الانسان ليستثمر كل شيء ويستفيد من المكونات الأساسية لما يستهلكه ويعيد تدويره، عملية التدوير هذه لم تستثني حتى الأفكار والنظريات البالية المتردية. لو أخذنا على سبيل المثال الافتراضي في هذا السياق محاولة إعادة تصنيع هيكل سفينة نوح كما يتخيلها مبرمجي الخرافات بزرع شجرة الوهم الأسطورية التي تنمو جذورها في الارض وتمتد أغصانها لتلامس القمر، أو إعادة بناء برج بابل من بقايا أنقاض وأتربة مدينة الحلة الأشياء تُستهلك لتنتهي الى نفايات تُلقى في المزابل بحكم سُنّة الفناء، ولا نستبعد أن يبادر بعض الصهاينة في نسج بساط الريح الذي كان يحمل جيوش سليمان ليفرضوا سطوتهم على جميع شعوب العالم. المصيبة العظمى تكمن عندما تستولي الأوهام وتسيطر على عقول بعض البشر وهو ما يسمى بالفانتازيا ( الخيال الحالم ) في محاولة خلق واقع يتناقض كليّا مع قوانين التاريخ وناموس التطور الطبيعي والاجتماعي. بالتحديد أعني ثلاث مشاريع تسير في هذا الاتجاه، مشروع الصهيونية العالمية ومشروع خلافة أردوغان الإخوان مع مشروع نظرية أم القرى الإيراني .
وسط هذه المشاريع والمخططات التآمرية على أمتنا ولد مشروعا وطنيا قوميا من رحم ضمير العروبة والاسلام ليجابه هذه المشاريع الخبيثة ويحطم آمال المتربصين بالأمة هو مشروع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. مشروع كبير سينطق التاريخ بعظمته قبل كتابته وستفتخر الجغرافية به قبل أن ترسم حدوده. مشروع لم يستطيع من تخلى عن هويته وإنتمائه العربي أن يستوعبه، فأصحاب سيكولوجية الخيانة والعمالة لايعرفون معنى شرف الوطنية.
استطاع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أن يفرق ما بين سياسة الإسلام العظيمة وبين الإسلام السياسي بكل تفرعاته مثل جماعة الإخوان المسلمين وولاية الفقيه، فهؤلاء صنيعة الاستعمار جاءوا لتفريق الأمة والإساءة للدين الإسلامي.
بلا شك فإن الاعتدال والوسطية في منهجية الفكر والتطبيق هما الأبرز في مجمل مشروع ولي العهد، لأنهما من الأصول الدينية الإسلامية إذا تجاوزنا التشدد والتطرف الديني الذي كان يظهر ويختفي تبعا لظروف تاريخية وفكرية لا يحق اعتمادها في الحكم على الإسلام، وإذ لا يجوز اعتماد هذا التطرف كقياس في تقييم الإسلام. لذلك عندما نطلق مصطلح الإسلام السياسي إنما نعني به مشروع تنظير أيديولوجي يستخدم الإسلام كمادة في بلورة نظريته السياسية من أجل تحقيق أهداف حزبية لا تعني الأمة الاسلامية .هنا بالتحديد تبرز إشكالية الدين والسياسة والفصل بينهما.
أما التنظير الأيديولوجي لمشروع الأمير محمد بن سلمان فهو لم يتجاهل مفاهيم الدين والقيم الأخلاقية التي أسست حكم وحضارة إسلامية استمرت لقرون في تاريخ البشرية، حيث قدم ولي العهد نموذجا لحكم مختلف عما كان مألوفا في العالم وهو حكم الخلافة، بغض النظر عن التسمية ومدلولها العملي إذ أن غالبية المسلمين يرون التسمية صورية ولم تتعدى حكم الخلفاء الراشدين ويعتبرون من خلفهم ملوك يلتحفون بالخلافة ويورثونها كما هي الممالك والإمارات. لقد أثبت ولي العهد أن الدين في جوهره لا يفسد السياسة والعكس أكثر إفسادا عندما يكون الدين مطية للسياسة كما هوعليه ما نسميه الاسلام السياسي، لذلك يجب أن نفرق بين السياسة الإسلامية والاسلام السياسي. عندما نتكلم عن السياسة الإسلامية لولي العهد فنحن أمام حضارة وثقافة وتاريخ إنساني، حيث استطاع ولي العهد بمشروعه هذا أن ينهي الصراع الثقافي والفكري بين الأمة العربية والإسلامية وبين الغرب، وأن يحطم نظرية (صدام الحضارات) التي جاء بها صامويل هنتجتون في إعادة صنع النظام العالمي ، نتيجة لممارسات الاسلام السياسي..تلك الممارسات التي لا تتعدى مفاهيم وأفكار لأحزاب وجماعات تستثمر الدين وتدمر كيانه في ممارسات تتناقض مع جوهره وغاياته، بل حتى أن هذه الأحزاب والجماعات تختلف وتتناقض فيما بينها وهذا دليل يقطع بعدم استنادها لمبادئ وقيم وثوابت الدين التي لا خلاف عليها، فقط تعزز مفاهيمها بالاستناد لمذاهب وآراء أو اجتهادات لا تخلو من الغلو والتطرف الفكري العقلاني.
بقلم الكاتب والباحث السياسي
الدكتور: أنمار نزار الدروبي