مقالات

الخصخصة خيار استراتيجي نحو اقتصاد جديد

 

م.  أحمد بن محمد العيسي

بدأنا في السنوات الخمس الأخيرة نلاحظ ارتفاع أصوات المطالبين بخصخصة المشروعات في كثير من دول العالم، ونحن في المملكة لسنا بعيدين عن هذه الأصوات، بل إن الخصخصة تعد أحد أركان تحقيق رؤية المملكة 2030..

ولا أحد يشك اليوم في ظل الأوضاع الاقتصادية والتحولات في نماذج الحوكمة أن الحكومات يجب أن تعتمد على القطاع الخاص وتعده شريكا لها في التنمية.

لكن هل يمكن أن يتحقق ذلك بوجود الرغبة أو الإعجاب بنموذج الخصخصة، وهل نحن في المملكة جديدون على هذا الملف وهل لدينا تجارب مشجعة أو مثبطة، نحتاج أن نعود للوراء أكثر من ثلاثين عاما لنستحضر بعض الأمثلة والتجارب التي خاضتها الحكومة في ملف الخصخصة بأشكال ونماذج مختلفة، فمنذ سنوات طويلة قامت الدولة بدعم تأسيس الشركة السعودية للنقل الجماعي (سابتكو) بل ذهبت أكثر من ذلك ومنحتها امتيازا للنقل الداخلي بغرض خلق نموذج اقتصادي ناجح، كما تم نموذج مشابه في تأسيس شركة ساسكو وكان أيضا الطموح عاليا جدا، وقد لا تكون هذه النماذج نجحت في تحقيق مستوى النجاح الاقتصادي المأمول وقد لا تكون أيضا حققت أهدافها المرجوة خاصة في سنواتها الأولى، ولو أنها عادت لطريق النجاح في السنوات الأخيرة، وهذا عائد لأسباب كثيرة لا يسع المقام لاستعراضها، وفي نفس الوقت شاهدنا نماذج أخرى استطاعت أن تنجح اقتصاديا بشكل أسرع وتحقق الخدمة المستهدفة بشكل أفضل مثل تخصيص الاتصالات من خلال الترخيص لعدد من الشركات المؤهلة وابتعاد الحكومة عن تقديم هذه الخدمات.

والأمثلة كثيرة ولن أطيل في سردها، لكني أثق أن الطموح في رؤية المملكة 2030 أكبر وأعلى من تلك المحاولات، بل إنه لأول مرة يؤسس كيان حكومي متخصص وهو المركز الوطني للتخصيص لمساعدة القطاعات المختلفة على إنضاج وإنجاح مسار التخصيص فيها.

كل ذلك كان مقدمة لما سأتحدث عنه وهو رأي شخصي بنيته من خلال خبراتي الطويلة في القطاعات الحكومية المختلفة وعملي خلال السنوات الأخيرة في القطاع الخاص.

ورأيي أن حديثنا اليوم في الخصخصة ما زال يهيمن عليه الجانب العاطفي والرغبة في خصخصة الخدمات مع ثقة قد تزيد أو تنقص في أن قطاعاتنا المختلفة يمكن خصخصتها، وأن القطاع الخاص يمكن أن يحقق عوائد بمجرد الدخول بها، وأن البيئة الحكومية جاهزة لنقل كثير من القطاعات والمشروعات والخدمات للقطاع الخاص، ولكن الحقيقة التي يجب أن نعترف بها أن هناك الكثير من المقومات والأدوات والممكنات لم تتحقق لدفع هذا المسار وسأورد هنا بعض هذه العناصر:

1- هل الخصخصة خيار يمكن الأخذ به أو تركه؟ هل الخصخصة رفاهية قد لا نحتاج لها؟ هل الخصخصة مسار ونموذج أصبح إلزاميا في ثقافة تطور الدول في الاقتصاد الجديد؟ كل هذه الأسئلة تحتاج لكثير من البحث والتحليل وأعتقد أن رؤية 2030 اختصرت الكثير من الجهد لأنها أكدت على هذا الخيار واعتبرته ركنا من أركان تحقيق الرؤية.

2 – من أهم أولويات نجاح الخصخصة هو بناء النماذج الاقتصادية الحقيقية ولا يمكن أن يبنى نموذج ناجح للخصخصة إذا انفرد القطاع الحكومي أو القطاع الخاص ببنائه فيجب أن يشترك الطرفان بشراكة حقيقية لتطوير النموذج ووضع كل مقومات النجاح.

3 – معظم نماذج الخصخصة مبنية على الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص وأهم عناصر نجاح هذه الشراكة هو الثقة والشفافية، وهذا يعني أن تثق الجهات الحكومية بقدرات وخبرات ومصداقية القطاع الخاص وأن يثق القطاع الخاص بدعم الحكومة والتزامها بالنماذج التي تتم الخصخصة على أساسها.

4 – هناك ثقافة متراكمة ومتأصلة في الجهاز الحكومي وهي أن التحكم الحكومي هو الأسلوب الأفضل لضمان تقديم الخدمات أو تنقيذ المشروعات وهذا نراه من خلال العقود الحكومية التي توقع مع القطاع الخاص بحيث يكون القطاع الخاص منفذا فقط لما يرد في العقد ومع الأسف مررنا بتجارب كثيرة أكدت أنه كان بالإمكان أفضل مما كان لو اعتبر المقاول شريكا فعليا للخروج بحلول أفضل.

5 – لا يمكن أن تنتقل من النموذج التشغيلي الحكومي الكامل إلى النموذج التشغيلي المشترك بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص إلا بتعديل وتغيير جذري في الأنظمة والإجراءات وأدوار الطرفين.. والحقيقة أنني ما زلت أرى أن الطريق طويل في هذا المسار ويتطلب قرارات جريئة وغير تقليدية في الثقافة الحكومية.

6 – من القائد للخصخصة هل هو القطاع الحكومي المعني؟ هل هو القطاع الخاص؟ هل هو المركز الحكومي المنوط به هذه المسؤولية؟ وهنا أؤكد أنه إذا لم يعمل الأطراف الثلاثة في وقت واحد ويتحدثون نفس اللغة وينظرون لبعضهم كشركاء حقيقين لا منفذ ومراقب فلن يتحقق ما نبحث عنه.

ولذلك.. أنا وكثير من المهتمين بملف الخصخصة نأمل أن يتمكن المركز الوطني للتخصيص بإدارته الجديدة إلى بحث هذه القضايا بكل شجاعة لأننا في ظل هذه الرؤية الطموحة قد نكون في أفضل وضع يمكننا من فتح هذه الحوارات وتقديم اقتراحات التحول لمشروعات الشراكة بين القطاعين وتطوير أنظمتنا وتشريعاتنا المالية والتشغيلية والتأكد من جاهزية الكوادر البشرية لاستيعاب متطلبات هذه الشراكة وتحقيق الخصخصة الحقيقية التى بلا شك سترفع مستوى الخدمات المقدمة وستحسن كفاءة الأداء وتقلل التكاليف الرأسمالية.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى