لماذا أعشقُ مصرَ؟!

سامي العثمان
ربما ورثتُ ذلك العشق والحنين والحب لمصر من والدي الذي عشق وأحب مصر، وتعلم في جامعاتها وعاش واستمتع بتفاصيلها الجميلة، كان والدي رحمة الله من عشاق أم كلثوم وعبدالوهاب، ومحمد عبد المطلب، وسيد درويش، ومنيرة المهدية، وليلى مراد، وكان والدي – رحمة الله – عاشقًا للمسرح المصريّ والذي تعلق به كثيرًا لاسيما بشخصياتٍ كانت علاماتٍ شامخةً في إثراء المسرح المصريّ وعلى رأسهم يوسف وهبي، ونجيب الريحاني وإسماعيل ياسين، وبديع خيري والكسار، كذلك تأثر والدي بكُتَّاب المسرح العمالقة مثل ألفريد فرج، وعلي سالم، ونعمان عاشور وسعد الدين وهبه، وكان والدي مُعجبًا أيما إعجاب بالعهد الملكيّ المصريّ وكان يروي لنا كيف كانت مصر تعيش عصرها الذهبيّ، وكيف كانت ذات اقتصادٍ مزدهرٍ، وكيف كانت تقدم المساعداتِ والمنح للدول العربية وحتى الغربية! حتى كسوة الكعبة المشرفة كانت تحيكها أيدٍ مصرية، فضلاً عن أن مصر كانت مضرب المثل للعالم أجمع بنظافة شوارعها وتنظيم وتشجير طرقها، إضافةً لكونها أُنموذجًا يُحتذى به حينها.
يبدو أن جينات والدي انتقلتْ لي، مع بعض الاختلاف، فقد تأثرتُ صغيرًا برواياتٍ إحسان عبد القدوس ونجيب محفوظ وأنيس منصور، وألفريد فرج، والمازني، وغيرهم.. وأحببت الشعر والنثر وتأثرتُ بالفعل ببعض الشعراء المصريين العظام ومنهم أمير الشعراء أحمد شوقي، وإبراهيم ناجي، وأحمد عبدالمعطي حجازي، وأحمد رامي، وحافظ إبراهيم، وغيرهم..
ربما في الجانب السياسي اختلفتُ مع والدي – رحمة الله – فقد كنت أرى الرئيس المصري جمال عبد الناصر الزعيم العربيّ الذي جاء ليرفع راية العرب خفاقةً لاسيما أنه يجيد الخطاب السياسي الذي سيطر على المتلقي العربيّ، والذي كان يفتقد مثل ذلك الخطاب الحماسيّ، فضلاً عن أن عبد الناصر كان له حضورٌ وقبولٌ لدى الجماهير العربية، والتي كانت تهتف باسمه من المحيط للخليج، حتى استيقظنا ذات يوم ووجدنا أن تلك الخطابات كانت جرعات تخدير بعد هزيمة عبد الناصر هزائم متتالية من قِبَل العدو الإسرائيليّ، فضلاً عن اقتصادٍ منهارٍ تمامًا والذي لايزال يدفع المصريون ضريبته حتى الآن.
ثم جاء الزعيمُ المصري السادات، الذي سبق عصره، واستطاع بكل حنكة سياسية ودهاء استعادة أراضينا العربية من الصهاينة وحرر سيناء بالكامل، وهزم إسرائيل شر هزيمة غير مسبوقة، وفرض عليهم الجلوس على طاولة السلام، فعلاً أعاد السادات لمصر كرامتها وهيبتها، وازدهر اقتصادها بشكلٍ لافتٍ؛ وهذا ماجعل الغرب يتخلص منه عن طريق أدواتهم الإخوانية المصرية.
ثم جاء مبارك الذي استمر على نفسِ نهج الزعيم السادات في بداية الأمر ثم اتجهت الأمور لاتجاه آخر، له ماله وعليه ماعليه، ثم جاءت النكبة الكبرى والتي كانت أشد قسوة من جميع النكبات التي مرتْ على مصر وذلك بوصول المخلوع مرسي للحكم في عامٍ أسود حالك السواد كُتِبَ بحبرٍ أسود، صال وجال خلاله المرشد الإرهابي محمد بديع مستخدمًا الرئيس على الورق محمد مرسي عليه من الله مايستحق، في حقبةٍ مليئةٍ بالمآسي والإرهاب غير المسبوق في التاريخ المصري.
حتى جاء المُنقذ الزعيم عبدالفتاح السيسي، وبعد عملية انتخابية نزيهة، وبعد أن أجمع المصريون على انتخاب هذا الرجل والذي يعرفون جيدًا أنه يمثل حالة خاصة تستيطع العبور بمصر لبر الأمان بعد الفوضى الخلاقة التي عاشتها مصر في ظل حكم الإخوان وكادت أن تذهب بمصر للمجهول.
حقق ابن مصر البار السيسي العديد من الإنجازات، وأعاد لمصر هيبتها ودروها التاريخي في جسد الأمة العربية والإسلامية، ولهذا أعشق مصر، ومن ذا الذي لايعشق هواها.